فصل: (بَابُ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ فِي الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ):

(يُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ مَرِيضٌ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَرِضَ تَخَلَّفَ عَنْ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) يُعْذَرُ بِذَلِكَ (خَائِفُ حُدُوثِ مَرَضٍ). لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَّرَ الْعُذْرَ بِالْخَوْفِ وَالْمَرَضِ» (أَوْ) خَائِفُ (زِيَادَتِهِ)، أَيْ: الْمَرَضِ (أَوْ بُطْءِ بُرْءٍ) مِنْ مَرَضٍ بِهِ. (وَتَلْزَمُ جُمُعَةٌ) لِعَدَمِ تَكَرُّرِهَا (لَا جَمَاعَةُ مَنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِإِتْيَانِهَا)، أَيْ: الْجُمُعَةِ (رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا)، نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: فِي الْجُمُعَةِ يَكْتَرِي وَيَرْكَبُ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى ضَعْفٍ عَقِبَ الْمَرَضِ، فَأَمَّا مَعَ الْمَرَضِ فَلَا يَلْزَمُهُ، لِبَقَاءِ الْعُذْرِ. وَمَحَلُّ سُقُوطِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ عَنْ الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ: إنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَسْجِدِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ؛ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ، وَكَذَا مَنْ مُنِعَهُمَا لِنَحْوِ حَبْسٍ (أَوْ تَبَرَّعَ) لَهُ (أَحَدٌ بِهِ)، أَيْ: بِأَنْ يُرْكِبَهُ أَوْ يَحْمِلَهُ، (أَوْ) تَبَرَّعَ أَحَدٌ (بِقَوْدِ أَعْمَى لَهَا)؛ أَيْ: لِلْجُمُعَةِ؛ فَتَلْزَمُهُ دُونَ الْجَمَاعَةِ لِتَكَرُّرِهَا، فَتَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ أَوْ الْمِنَّةُ. (أَوْ قَدَرَ) عَلَى إتْيَانِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ (مِنْ نَفْسِهِ)، أَيْ: بِلَا قَائِدٍ، فَيَلْزَمُهُ إتْيَانُهَا؛ لِأَنَّ الْعَمَى لَيْسَ عُذْرًا مَعَ الْقُدْرَةِ.
(وَ) يُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ (مَحْبُوسٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا}.
(وَ) يُعْذَرُ بِتَرْكِهِمَا (مُدَافِعُ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ): الْبَوْلُ أَوْ الْغَائِطُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ إكْمَالِ الصَّلَاةِ وَخُشُوعِهَا، (وَ) يُعْذَرُ بِتَرْكِهِمَا (مُحْتَاجٌ)، أَيْ: تَائِقٌ (لِطَعَامٍ بِحَضْرَتِهِ وَلَهُ الشِّبَعُ) نَصًّا، لِخَبَرِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «وَلَا تَعْجَلَنَّ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْهُ». وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُعِيَ إلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، وَقَامَ يُصَلِّي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ.
(وَ) يُعْذَرُ بِتَرْكِهِمَا (خَائِفُ ضَيَاعِ مَالِهِ) كَغَلَّةٍ بِبَيَادِرِهَا، (أَوْ) خَائِفُ (فَوَاتِهِ) كَشُرُودِ دَابَّتِهِ، أَوْ إبَاقِ عَبْدِهِ، (أَوْ) خَائِفُ (تَلَفِهِ) كَإِطْلَاقِ مَاءٍ عَلَى نَحْوِ زَرْعِهِ بِغَيْبَتِهِ.
(وَ) يُعْذَرُ بِتَرْكِهِمَا (رَاجٍ وُجُودَ ضَائِعٍ)؛ كَمَنْ ضَاعَ لَهُ كَبْشٌ، أَوْ أَبَقَ لَهُ عَبْدٌ، وَهُوَ يَرْجُو وُجُودَهُ، أَوْ قَدِمَ بِهِ مِنْ سَفَرٍ إنْ لَمْ يَقِفْ لِأَخْذِهِ ضَاعَ، لَكِنْ (قَالَ الْمَجْدُ) عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ تَيْمِيَّةَ: (وَالْأَفْضَلُ تَرْكُ مَا يَرْجُو وُجُودَهُ وَيُصَلِّي) الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ؛ لِأَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى، وَرُبَّمَا لَا يَنْفَعُهُ حَذَرُهُ.
وَ(لَا) يَتْرُكُ (مَا يَخَافُ تَلَفُهُ، كَخُبْزٍ بِتَنُّورٍ) وَطَبِيخٍ عَلَى نَارٍ، بَلْ يَتْرُكُ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ وَيُبَاشِرُ ذَلِكَ حِفْظًا لِمَالِيَّتِهِ.
(وَ) يُعْذَرُ بِتَرْكِهِمَا (خَائِفُ ضَرَرٍ بِمَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا، أَوْ نَحْوِ بُسْتَانٍ) كَزَرْعٍ (أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ)، وَإِنْ تَرَكَهُ فَسَدَ، (أَوْ) خَائِفُ ضَرَرٍ فِي (مَالٍ اُسْتُؤْجِرَ لِحِفْظِهِ؛ كَنِطَارَةِ بُسْتَانٍ)، وَالنَّاطِرُ وَالنَّاطُورُ: حَافِظُ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ؛ أَعْجَمِيٌّ، الْجَمْعُ: نُطَّارُ وَنُطَرَاءُ وَنَوَاطِيرُ وَنَطَرَةٌ، وَالْفِعْلُ: النَّظَرُ وَالنِّطَارَةُ بِالْكَسْرِ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ.
(وَ) يُعْذَرُ بِتَرْكِهِمَا (عُرْيَانٌ) لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً، أَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ فَقَطْ (فِي غَيْرِ) جَمَاعَةِ (عُرَاةٍ، أَوْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ فَقَطْ) دُونَ بَاقِي جَسَدِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْخَجَلِ، فَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ عُرَاةً؛ صَلُّوا جَمَاعَةً وُجُوبًا.
(وَ) يُعْذَرُ بِتَرْكِهِمَا (خَائِفُ مَوْتِ قَرِيبِهِ أَوْ رَفِيقِهِ أَوْ تَمْرِيضِهِمَا). يُقَالُ: مَرَّضْتُهُ تَمْرِيضًا: قُمْت بِمُدَاوَاتِهِ، قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. (وَلَيْسَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ)؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ اسْتَصْرَخَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ يَتَجَمَّرُ لِلْجُمُعَةِ، فَأَتَاهُ بِالْعَقِيقِ، وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا. (أَوْ) خَائِفٌ (عَلَى حَرِيمِهِ). (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) خَائِفٌ عَلَى (مَنْ يَلْزَمُهُ ذَبٌّ عَنْهُ)، كَحَرِيمِ غَيْرِهِ وَمَالِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) عَلَى (نَفْسِهِ مِنْ ضَرَرِ) لِصٍّ أَوْ سَبْعٍ يَغْتَالُهُ، (أَوْ سُلْطَانٍ) يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، (أَوْ مُلَازَمَةِ غَرِيمٍ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ) يُعْطِيهِ، أَوْ خَائِفٌ مِنْ حَبْسٍ بِحَقٍّ لَا وَفَاءَ لَهُ؛ لِأَنَّ حَبْسَ الْمُعْسِرِ ظُلْمٌ. وَكَذَا إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، وَخَشِيَ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَأَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى أَدَاءِ دَيْنِهِ؛ فَلَا عُذْرَ لَهُ لِلنَّصِّ. (أَوْ) خَائِفٌ (فَوْتَ رُفْقَةٍ بِسَفَرٍ مُبَاحٍ أَنْشَأَهُ أَوْ اسْتَدَامَهُ)، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ. (أَوْ غَلَبَهُ نُعَاسٌ يَخَافُ بِهِ فَوْتَهَا)، أَيْ: الصَّلَاةِ (بِوَقْتٍ، أَوْ) يَخَافُ بِالنُّعَاسِ فَوْتَهَا (مَعَ إمَامٍ) لِأَنَّ رَجُلًا صَلَّى مَعَ مُعَاذٍ، ثُمَّ انْفَرَدَ، فَصَلَّى وَحْدَهُ عِنْدَ تَطْوِيلِ مُعَاذٍ، وَخَوْفِ النُّعَاسِ وَالْمَشَقَّةِ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَخْبَرَهُ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ، وَفِي الْمَذْهَبِ وَالْوَجِيزِ: يُعْذَرُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ بِخَوْفِهِ نَقْضَ الْوُضُوءِ بِانْتِظَارِهِمَا (وَمُدَافَعَةُ نُعَاسٍ) وَالصَّبْرُ وَالتَّجَلُّدُ عَلَيْهِ لِيُصَلِّيَ جَمَاعَةً (أَفْضَلُ)، لِمَا فِيهِ مِنْ نَيْلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ (أَوْ) خَائِفُ (أَذًى بِمَطَرٍ وَوَحَلٍ) بِتَحْرِيكِ الْحَاءِ، وَالتَّسْكِينُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ، (وَثَلْجٍ وَجَلِيدٍ وَرِيحٍ بَارِدَةٍ بِلَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ)، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي مُنَادِيهِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلَمْ يَقُلْ فِي السَّفَرِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ- زَادَ مُسْلِمٌ: فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ- إذَا قُلْت: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ. قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَلِكَ،؟ فَقَدْ فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي يَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنَّ الْجُمُعَةَ عَزِيمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْت أَنْ أُخْرِجَكُمْ فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالدَّحَضُ هُوَ: الزَّلِقُ وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ وَالْجَلِيدُ كَذَلِكَ. (أَوْ) خَائِفُ (تَطْوِيلِ إمَامٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ عَلَيْهِ قَوَدٌ يَرْجُو الْعَفْوَ عَنْهُ)، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ عَلَى مَالٍ حَتَّى يُصَالِحَ وَ(لَا) يُعْذَرُ بِتَرْكِهِمَا (مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ) لِلَّهِ تَعَالَى: كَحَدِّ الزِّنَى وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَطْعِ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ لَا تَدْخُلُهَا الْمُصَالَحَةُ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ. (أَوْ) كَانَ (بِطَرِيقِهِ) إلَى الْمَسْجِدِ (مُنْكَرٌ أَوْ) كَانَ بِـ (مَسْجِدِهِ) الَّذِي يُرِيدُ الصَّلَاةَ بِهِ (مُنْكَرٌ) كَبُغَاةٍ يَدْعُونَهُ لِيُقَاتِلَ مَعَهُمْ أَهْلَ الْعَدْلِ، فَلَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ وَلَا جَمَاعَةٍ نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ لِنَفْسِهِ لَا قَضَاءِ حَقٍّ لِغَيْرِهِ، (وَيُنْكِرُهُ) أَيْ: الْمُنْكَرَ (بِحَسْبِهِ)، أَيْ: بِقَدْرِ مَا يُطِيقُهُ، لِلْخَبَرِ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مَنْ جَهِلَ الطَّرِيقَ لِلْمَسْجِدِ إذَا وَجَدَ مَنْ يَهْدِيهِ، وَلَا أَعْمَى وَجَدَ لَهُ مَنْ يَقُودُهُ بِمِلْكٍ أَوْ إجَارَةٍ وَفِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ: وَيَلْزَمُهُ إنْ وَجَدَ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَائِدِ كَمَدِّ الْحَبْلِ إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ (وَزَلْزَلَةٍ؛ عُذْرٌ عِنْدَ أَبِي الْمَعَالِي) لِأَنَّهَا نَوْعُ خَوْفٍ (وَعَرُوسٌ تُجَلَّى عَلَيْهِ) عُذْرٌ (عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ).
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فِي آخِرِ الْجُمُعَةِ، كَذَا قَالَ. (وَيَتَّجِهُ مِنْ كَلَامِهِمْ: وَكَذَا) يُعْذَرُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ (آكِلُ نَحْوِ بَصَلٍ) كَثُومٍ وَكُرَّاثٍ وَفُجْلٍ وَكُلِّ مَا لَهُ رَائِحَةٌ مُنْكَرَةٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.(فَرْعٌ): [تَارِكُ الْجُمُعَةٍ والْجَمَاعَةِ لِعُذْرٍ]:

(لَا يَنْقُصُ أَجْرُ تَارِكِ) جُمُعَةٍ وَ(جَمَاعَةٍ لِعُذْرٍ شَيْئًا)، وَثَوَابُهُ بِمَحْضِ فَضْلِ اللَّهِ. (وَمَنْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا أَوْ مُقِيمًا)، لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى: «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ رَاحَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا، أَعْطَاهُ اللَّهُ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلَّاهَا، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ نَوَى الْخَيْرَ وَفَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْهُ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ الْفَاعِلِ، وَاحْتَجَّ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ.
تَتِمَّةٌ:
جَمِيعُ مَا سَبَقَ إنَّمَا يَتَّجِهُ عَدُّهُ مِنْ الْأَعْذَارِ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَتَأَتَّى لَهُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِي بَيْتِهِ، فَإِنْ تَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ كَانَ مَأْمُورًا بِإِقَامَتِهَا فِي بَيْتِهِ، لِأَنَّ الِانْفِرَادَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ مَعَ إمْكَانِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ مَعْصِيَةٌ (وَمُخَالَطَةُ النَّاسِ) وَتَحَمُّلُ أَذَاهُمْ (أَوْلَى مِنْ اعْتِزَالِهِمْ) خُصُوصًا إذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ قَضَاءُ حَوَائِجِهِمْ (مَعَ أَمْنِ فِتْنَةٍ) فِي دِينِهِ، وَفِي مُخَالَطَتِهِمْ (لِاكْتِسَابِ فَضَائِلَ دِينِيَّةً) كَتَعَلُّمِ عِلْمٍ مُبَاحٍ (أَوْ) لِاكْتِسَابِ فَضَائِلَ (دُنْيَوِيَّةٍ) كَتَعَلُّمِ الصِّنَاعَاتِ الْمُبَاحَةِ، فَضْلٌ عَظِيمٌ، وَثَوَابٌ جَسِيمٌ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْكَمَالِ، وَصَوْنِ مَاءِ الْوَجْهِ عَنْ الِابْتِذَالِ.

.(بَابُ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ):

وَهُمْ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَالْخَائِفُ وَنَحْوُهُمْ وَالْأَعْذَارُ: جَمْعُ عُذْرٍ، كَأَقْفَالٍ: جَمْعُ قُفْلٍ (يَلْزَمُ فَرْضُ) الصَّلَاةِ (الْمَرِيضَ قَائِمًا) إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، (وَلَوْ) كَانَ (كَرَاكِعٍ أَوْ) كَانَ (مُعْتَمِدًا) فِي قِيَامِهِ عَلَى شَيْءٍ، (أَوْ) كَانَ (مُسْتَنِدًا) إلَى شَيْءٍ (أَوْ) كَانَ (بِأُجْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا)، لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. زَادَ النَّسَائِيّ «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا». وَحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ؛ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْقِيَامِ كَذَلِكَ (أَوْ شَقَّ) عَلَيْهِ الْقِيَامُ (لِضَرَرٍ شَدِيدٍ) يَلْحَقُهُ بِهِ (أَوْ) لِـ (زِيَادَةِ مَرَضٍ أَوْ بُطْءِ بُرْءٍ وَنَحْوِهِ) كَمَا لَوْ كَانَ الْقِيَامُ يُوهِنُهُ حَيْثُ جَازَ، تَرْكُ الْقِيَامِ، (فـَ) إنَّهُ يُصَلِّي (قَاعِدًا) لِلْخَبَرِ. (مُتَرَبِّعًا نَدْبًا، وَيَثْنِي رِجْلَيْهِ فِي رُكُوعٍ وَسُجُودٍ كَمُتَنَفِّلٍ)، وَكَيْفَ قَعَدَ جَازَ، وَأَسْقَطَ الْقَاضِي بِضَرَرٍ مُتَوَهَّمٍ وَأَنَّهُ لَوْ تَحَمَّلَ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ حَتَّى ازْدَادَ مَرَضُهُ، أَثِمَ. (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْقُعُودِ، (أَوْ شَقَّ) عَلَيْهِ الْقُعُودُ (وَلَوْ بِتَعَدِّيهِ بِضَرْبِ سَاقِهِ) أَوْ تَعَدِّي الْحَامِلِ بِضَرْبِ بَطْنِهَا حَتَّى نَفِسَتْ، (فـَ) إنَّهُ يُصَلِّي (عَلَى جَنْبٍ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) الْجَنْبُ (الْأَيْمَنُ أَفْضَلُ)، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى قَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ، أَوْمَأَ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، صَلَّى مُسْتَلْقِيًا رِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنْ صَلَّى عَلَى الْأَيْسَرِ فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ جَوَازُهُ، لِظَاهِرِ خَبَرِ عِمْرَانَ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يُكْرَهُ مَعَ قُدْرَةٍ عَلَى الْأَيْمَنِ. (وَتُكْرَهُ) صَلَاةُ مَرِيضٍ عَجَزَ عَنْ قِيَامٍ وَقُعُودٍ (عَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ لِلْقِبْلَةِ مَعَ قُدْرَتِهِ) أَنْ يُصَلِّيَ (عَلَى جَنْبِهِ)، وَتَصِحُّ، (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ مَرِيضٌ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جَنْبِهِ، (تَعَيَّنَ) أَنْ يُصَلِّيَ (عَلَى ظَهْرِهِ) وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ، وَتَقَدَّمَ. (وَيُومِئُ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ) عَاجِزٍ عَنْهُمَا مَا أَمْكَنَهُ نَصًّا، (وَيَجْعَلُهُ)، أَيْ: السُّجُودَ (أَخْفَضَ) لِلْخَبَرِ وَلِلتَّمَيُّزِ، (وَإِنْ سَجَدَ مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ) السُّجُودَ بِالْأَرْضِ (عَلَى شَيْءٍ رُفِعَ) لَهُ، وَانْفَصَلَ عَنْ الْأَرْضِ، (كُرِهَ) لَهُ ذَلِكَ لِلِاخْتِلَافِ فِي إجْزَائِهِ، (وَأَجْزَأَ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْمَأَ (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: الْإِيمَاءُ أَحَبُّ إلَيَّ) مِنْ رَفْعِ شَيْءٍ يَسْجُدُ عَلَيْهِ. (وَإِنْ رَفَعَ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا فَسَجَدَ عَلَيْهِ، أَجْزَأَهُ). انْتَهَى.
(وَلَا بَأْسَ بِهِ)، أَيْ: السُّجُودِ (عَلَى نَحْوِ وِسَادَةٍ) مَوْضُوعَةٍ بِالْأَرْضِ لَمْ تُرْفَعْ عَنْهَا، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِفِعْلِ أُمِّ سَلَمَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ: وَنَهَى عَنْهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ، وَلَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ عَلَيْهَا، وَيُومِئُ غَايَةَ مَا يُمْكِنُهُ. (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ إيمَاءٍ بِرَأْسِهِ (أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ)، أَيْ: عَيْنِهِ (نَاوِيًا مُسْتَحْضِرًا) تَفْسِيرٌ لَهُ (الْفِعْلَ) عِنْدَ إيمَائِهِ (بِقَلْبِهِ، وَكَذَا) نَاوِيًا (الْقَوْلَ) إذَا أَوْمَأَ لَهُ (إنْ عَجَزَ عَنْهُ بِلِسَانِهِ)، لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (يُجَدِّدُ لِكُلِّ فِعْلٍ وَرُكْنٍ قَصْدًا)، لِتَمْيِيزِ الْأَفْعَالِ وَالْأَرْكَانِ (كَأَسِيرٍ خَائِفٍ) أَنْ يَعْلَمُوا بِصَلَاتِهِ.
قَالَ أَحْمَدُ لَا بُدَّ مِنْ شَيْءٍ مَعَ عَقْلِهِ، وَفِي التَّبْصِرَةِ: صَلَّى بِقَلْبِهِ أَوْ طَرْفِهِ، وَفِي الْخِلَافِ: أَوْمَأَ بِعَيْنِهِ وَحَاجِبِهِ أَوْ قَلْبِهِ. (وَلَا تَسْقُطُ) الصَّلَاةُ عَنْ مُكَلَّفٍ (مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا)، لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيمَاءِ مَعَ النِّيَّةِ بِقَلْبِهِ، وَلِعُمُومِ أَدِلَّةِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ. (وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُ نَحْوِ مُضْطَجِعٍ عَنْ أَجْرِ صَحِيحٍ)، لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَتَقَدَّمَ. (وَمَنْ قَدَرَ عَلَى وَاجِبٍ أَوْ رُكْنٍ مِنْ نَحْوِ قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ) فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، (انْتَقَلَ إلَيْهِ) لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ- وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ- وَأَتَمَّهَا.؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ الْعَجْزُ وَقَدْ زَالَ، وَمَا صَلَّاهُ قَبْلُ كَانَ الْعُذْرُ مَوْجُودًا فِيهِ. وَمَا بَقِيَ يَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَاجِبِ فِيهِ، (فَيَقُومُ) الْعَاجِزُ عَنْ الْقِيَامِ، (أَوْ يَقْعُدُ) مَنْ كَانَ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ، (وَيَرْكَعُ بِلَا قِرَاءَةٍ مَنْ) كَانَ (قَرَأَ) حَالَ عَجْزِهِ لِحُصُولِهَا فِي مَحَلِّهَا، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْرَأْ حَالَ عَجْزِهِ؛ (قَرَأَ) بَعْدَ قِيَامِهِ أَوْ قُعُودِهِ، لِيَأْتِيَ بِفَرْضِهَا. وَإِنْ كَانَ قَرَأَ الْبَعْضَ، أَتَى بِالْبَاقِي. (وَإِنْ أَبْطَأَ مُتَثَاقِلًا) حَالٌ مِنْ (مَنْ) فَاعِلُ أَبْطَأَ (أَطَاقَ الْقِيَامَ) فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْهُ (فَعَادَ الْعَجْزُ) فِي الصَّلَاةِ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ لَمْ يَعُدْ)، شُمُولُ الْحُكْمِ لِمَنْ لَمْ يَعُدْ عَجْزُهُ (أَوْلَى) مِمَّنْ عَادَ عَجْزُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ كَانَ) إبْطَاؤُهُ (بِمَحَلِّ قُعُودٍ) مِنْ صَلَاتِهِ (كَتَشَهُّدٍ، صَحَّتْ) صَلَاتُهُ، لِأَنَّ جُلُوسَهُ بِمَحَلِّهِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِمَحَلِّ قُعُودٍ: (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِزِيَادَتِهِ فِعْلًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، (وَ) بَطَلَتْ (صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ وَلَوْ جَهِلُوا)، لِارْتِبَاطِ صَلَاتِهِمْ بِصَلَاتِهِ، وَكَمَا لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ. (وَيَتَّجِهُ: وَمُصَلٍّ مُضْطَجِعًا) أَبْطَأَ مُتَثَاقِلًا بَعْدَ أَنْ أَطَاقَ الْجُلُوسَ أَوْ الْقِيَامَ (تَبْطُلُ) صَلَاتُهُ (بِلَا تَفْصِيلٍ)؛ لِأَنَّ الِاضْطِجَاعَ لَيْسَ لَهُ مَحَلٌّ مِنْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَبْنِي مَنْ) ابْتَدَأَهَا قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا، ثُمَّ (عَجَزَ فِيهَا)، أَيْ: الصَّلَاةِ عَلَى مَا فَعَلَهُ، لِوُقُوعِهِ صَحِيحًا كَالْآمِنِ يَخَافُ. (وَتُجْزِئُ الْفَاتِحَةُ) مَنْ كَانَ يُصَلِّي قَائِمًا، ثُمَّ عَجَزَ عَنْهُ، (إنْ أَتَمَّهَا فِي) حَالِ (انْحِطَاطِهِ)؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى مِنْ الْقُعُودِ الَّذِي صَارَ فَرْضَهُ، وَ(لَا) تُجْزِئُ الْفَاتِحَةُ (مَنْ) صَلَّى قَاعِدًا عَجْزًا، ثُمَّ (صَحَّ) فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، (فَأَتَمَّهَا)، أَيْ: الْفَاتِحَةَ (فِي) حَالِ (ارْتِفَاعِهِ)، أَيْ: نُهُوضِهِ، كَقِرَاءَةِ الصَّحِيحِ حَالَ نُهُوضِهِ. (وَمَنْ قَدَرَ عَلَى قِيَامٍ وَقُعُودٍ دُونَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَوْمَأَ وُجُوبًا بِرُكُوعٍ قَائِمًا)؛ لِأَنَّ الرَّاكِعَ كَالْقَائِمِ فِي نَصْبِ رِجْلَيْهِ، (وَ) أَوْمَأَ بِـ (سُجُودٍ قَاعِدًا)؛ لِأَنَّ السَّاجِدَ كَالْجَالِسِ فِي جَمْعِ رِجْلَيْهِ، وَلِيَحْصُلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِيمَاءَيْنِ. وَمَنْ قَدَرَ أَنْ يَحْنِيَ رَقَبَتَهُ دُونَ ظَهْرِهِ حَنَاهَا، وَإِذَا سَجَدَ قَرَّبَ وَجْهَهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى سُجُودٍ عَلَى صُدْغَيْهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ. (وَمَنْ قَدَرَ) أَنْ (يَقُومَ) فِي الصَّلَاةِ (مُنْفَرِدًا، وَ) قَدَرَ أَنْ (يَجْلِسَ فِي جَمَاعَةٍ؛ خُيِّرَ) بَيْنَ الصَّلَاةِ قَائِمًا مُنْفَرِدًا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ جَالِسًا فِي جَمَاعَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَطَعَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: لِأَنَّهُ يَفْعَلُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَاجِبًا وَيَتْرُكُ وَاجِبًا (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ أَبُو الْمَعَالِي (يُصَلِّي مُنْفَرِدًا قَائِمًا، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ ) وَقَالَ: لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَادِرٌ، وَالْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا، وَقُعُودُهُمْ خَلْفَ إمَامِ الْحَيِّ لِدَلِيلٍ خَاصٍّ. انْتَهَى.
(وَلِمَرِيضٍ وَأَرْمَدَ يُطِيقُ قِيَامًا الصَّلَاةُ مُسْتَلْقِيًا لِمُدَاوَاةٍ بِقَوْلِ طَبِيبٍ) سُمِّيَ بِهِ لِحِذْقِهِ وَفِطْنَتِهِ (مُسْلِمٍ ثِقَةٍ) وَهُوَ: الْعَدْلُ الضَّابِطُ (حَاذِقٍ فَطِنٍ)، لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ، فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ كَافِرٌ، وَلَا فَاسِقٌ كَغَيْرِهِ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَّى جَالِسًا حِينَ جُحِشَ شِقُّهُ» وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ، بَلْ فَعَلَهُ إمَّا لِلْمَشَقَّةِ، أَوْ لِوُجُودِ الضَّرَرِ، وَكِلَاهُمَا حُجَّةٌ. وَأُمُّ سَلَمَةَ تَرَكَتْ السُّجُودَ لِرَمَدٍ بِهَا. (وَيَكْفِي مِنْهُ)، أَيْ: الطَّبِيبِ (غَلَبَةُ ظَنٍّ) لِتَعَذُّرِ الْيَقِينِ.
(وَ) لِلْمَرِيضِ أَنْ (يُفْطِرَ بِقَوْلِهِ)، أَيْ: الطَّبِيبِ الْمُسْلِمِ الثِّقَةِ (إنَّ الصَّوْمَ مِمَّا يُمَكِّنُ الْعِلَّةَ)، أَيْ: الْمَرَضَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. (وَلَا تَصِحُّ مَكْتُوبَةٌ بِسَفِينَةٍ قَاعِدًا لِقَادِرٍ عَلَى قِيَامٍ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى رُكْنِ الصَّلَاةِ، كَمَنْ بِغَيْرِ سَفِينَةٍ. (وَيَدُورُ) رَاكِبُ السَّفِينَةِ (لِقِبْلَةٍ كُلَّمَا انْحَرَفَتْ، وَيُصَلُّونَ بِهَا)، أَيْ: السَّفِينَةِ (جَمَاعَةً، وَلَوْ عَجَزُوا عَنْ قِيَامٍ) بِهَا وَخُرُوجٍ مِنْهَا، صَلُّوا جُلُوسًا، وَدَارُوا إلَى الْقِبْلَةِ كُلَّمَا انْحَرَفَتْ. (وَتَصِحُّ) الْمَكْتُوبَةُ (عَلَى رَاحِلَتِهِ) وَاقِفَةً أَوْ سَائِرَةً (لِتَأَذٍّ بِوَحَلٍ وَمَطَرٍ وَنَحْوِهِ) كَثَلْجٍ وَبَرَدٍ، لِمَا رَوَى يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى إلَى مَضِيقٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَالسَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَالْبَلَّةُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ؛ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ، يُومِئُ إيمَاءً، يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَفَعَلَهُ أَنَسٌ. ذَكَرَهُ أَحْمَدُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ غَيْرِهِ خِلَافُهُ.
(وَ) تَصِحُّ عَلَيْهَا أَيْضًا لِـ (خَوْفِ انْقِطَاعٍ عَنْ رُفْقَةٍ) بِنُزُولِهِ، (أَوْ) خَوْفٍ (عَلَى نَفْسِهِ) إنْ نَزَلَ (مِنْ نَحْوِ عَدُوٍّ) كَسَيْلٍ وَسَبُعٍ، (أَوْ عَجَزَ عَنْ رُكُوبِهِ إنْ نَزَلَ) لِلصَّلَاةِ، فَإِنْ قَدَرَ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا؛ نَزَلَ. وَالْمَرْأَةُ إنْ خَافَتْ تَبَرُّزًا وَهِيَ خَفِرَةٌ؛ صَلَّتْ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَكَذَا مَنْ خَافَ حُصُولَ ضَرَرٍ بِالْمَشْيِ، ذَكَرَهُمَا فِي الِاخْتِيَارَاتِ. (وَعَلَيْهِ)، أَيْ: يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِعُذْرِ (الِاسْتِقْبَالِ)، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}، (وَ) عَلَيْهِ فِعْلُ (مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ) مِنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَإِيمَاءٍ بِهِمَا وَطُمَأْنِينَةٍ، لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». (وَلَا تَصِحُّ) مَكْتُوبَةٌ عَلَى رَاحِلَةٍ (لِمَرَضٍ فَقَطْ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ ضَرَرُهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ؛ لَكِنْ إنْ عَجَزَ عَنْ رُكُوبٍ إنْ نَزَلَ، أَوْ خَافَ انْقِطَاعًا وَنَحْوَهُ، جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا كَالصَّحِيحِ وَأَوْلَى. (وَمَنْ أَتَى بِكُلِّ فَرْضٍ وَشَرْطٍ) لِمَكْتُوبَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ (وَصَلَّى عَلَيْهَا)، أَيْ: عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَوْ صَلَّى (بِنَحْوِ سَفِينَةٍ) كَهَوْدَجٍ وَمِحَفَّةٍ (سَائِرَةٍ أَوْ وَاقِفَةٍ) وَلَوْ (بِلَا عُذْرٍ) مِنْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِ مَطَرٍ، أَوْ مَعَ إمْكَانِ خُرُوجٍ مِنْ نَحْوِ سَفِينَةٍ؛ (صَحَّتْ) صَلَاتُهُ لِاسْتِيفَائِهَا مَا يُعْتَبَرُ لَهَا. (وَمَنْ بِمَاءٍ وَطِينٍ) لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ (يُومِئُ) بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ (كَمَصْلُوبٍ وَمَرْبُوطٍ)؛ لِأَنَّهُ غَايَةُ إمْكَانِهِ (وَيَسْجُدُ غَرِيقٌ عَلَى مَتْنِ الْمَاءِ)، أَيْ: ظَهْرِهِ، (وَلَا إعَادَةَ فِي الْكُلِّ) لِلْخَبَرِ، وَتَقَدَّمَ. (وَيُعْتَبَرُ الْمَقَرُّ لِأَعْضَاءِ السُّجُودِ) لِحَدِيثِ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» (فَلَوْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ مَثَلًا عَلَى نَحْوِ قُطْنٍ)، كَصُوفٍ (مَنْفُوشٍ) وَوَبَرٍ وَشَعْرٍ (وَلَمْ يَنْكَبِسْ)؛ لَمْ تَصِحَّ. (أَوْ صَلَّى مُعَلَّقًا) أَوْ فِي أُرْجُوحَةٍ (بِلَا ضَرُورَةٍ) تَمْنَعُهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأَرْضِ؛ (لَمْ تَصِحَّ) صَلَاتُهُ، لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ عُرْفًا، وَعَدَمِ مَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ. (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (إنْ حَاذَى صَدْرَهُ)، أَيْ: الْمُصَلِّي (نَحْوَ رَوْزَنَةٍ) وَهِيَ: الْكُوَّةُ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ. وَنَحْوُ الرَّوْزَنَةِ: الشُّبَّاكُ وَمَا لَا يُجْزِئُ سُجُودُهُ عَلَيْهِ.
(وَ) تَصِحُّ أَيْضًا (عَلَى نَحْوِ صُوفٍ حَائِلٍ) كَشَعْرٍ وَوَبَرٍ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ، وَلَا كَرَاهَةَ، لِحَدِيثِ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى عَلَى فَرْوٍ مَدْبُوغَةٍ».
(وَ) تَصِحُّ أَيْضًا عَلَى (مَا مَنَعَ صَلَاتُهُ الْأَرْضَ) كَفِرَاشٍ مَحْشُوٍّ بِنَحْوِ قُطْنٍ، (وَ) عَلَى (مَا تُنْبِتُهُ) الْأَرْضُ لِاسْتِقْرَارِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ عَلَيْهِ.

.(فَصْلٌ فِي الْقَصْرِ):

(قَصْرُ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّة) جَائِزٌ إجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إنْ خِفْتُمْ} الْآيَةَ، عَلَّقَ الْقَصْرَ عَلَى الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَسْفَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَخْلُ مِنْهُ. وَقَالَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَا لَنَا نَقْصُرُ وَقَدْ أَمِنَّا؟ فَقَالَ: سَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «صَحِبْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ كَذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إنَّ قَوْله تَعَالَى: {إنْ خِفْتُمْ}؛ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ، مَعْنَاهُ: وَإِنْ خِفْتُمْ. وَهُوَ (أَفْضَلُ) مِنْ الْإِتْمَامِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاءَهُ دَاوَمُوا عَلَيْهِ وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ». (وَلَا يُكْرَهُ إتْمَامُ) مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ، لِحَدِيثِ يَعْلَى؛ قَالَتْ عَائِشَةُ: «أَتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَصَرَ» قَالَ الشَّافِعِيُّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ. وَيَجُوزُ الْقَصْرُ (لِمَنْ نَوَى سَفَرًا)، أَيْ: شَرَعَ فِيهِ، وَاجِبًا كَانَ أَوْ مُسْتَحَبًّا، كَسَفَرِ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالْهِجْرَةِ وَالْعُمْرَةِ، فَالسَّفَرُ لِلْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ وَاجِبٌ، وَلِلْمَنْدُوبِ مِنْهُ مَنْدُوبٌ، وَكَالسَّفَرِ لِزِيَارَةِ الْإِخْوَانِ وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَزِيَارَةِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَالْوَالِدَيْنِ، أَوْ ابْتَدَأَ سَفَرًا (مُبَاحًا)، أَيْ: لَيْسَ حَرَامًا وَلَا مَكْرُوهًا، (وَلَوْ عَصَى فِيهِ)، أَيْ: السَّفَرِ الْمُبَاحِ، (أَوْ) كَانَ لِـ (زِيَارَةِ قُبُورٍ وَلَمْ يَعْتَقِدْهُ)، أَيْ: السَّفَرَ لِزِيَارَتِهَا (قُرْبَةً)، فَإِنْ اعْتَقَدَهُ قُرْبَةً؛ فَلَا يَقْصُرُ، لِحَدِيثِ «لَا تَشُدُّوا الرِّحَالَ».. إلَى آخِرِهِ. (أَوْ) كَانَ (نُزْهَةً أَوْ فُرْجَةً) بِتَثْلِيثِ الْفَاءِ: الرَّاحَةُ مِنْ الْغَمِّ، (أَوْ) كَانَ الْمُسَافِرُ (تَاجِرًا مُكَاثِرًا) فِي الدُّنْيَا.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا أَنَّ الِاتِّسَاعَ فِي الْمَكَانِ وَالْمَبَانِي مِنْ حِلٍّ إذَا أَدَّى جَمِيعَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُ؛ مُبَاحٌ، وَبَعْضُهُمْ كَرِهَ التَّكَاثُرَ. (أَوْ) كَانَ السَّفَرُ (الْمُبَاحُ أَكْثَرَ قَصْدِهِ)، كَتَاجِرٍ قَصَدَ التِّجَارَةَ، وَقَصَدَ مَعَهَا أَنْ يَشْرَبَ مِنْ خَمْرِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ؛ فَإِنْ تَسَاوَى الْقَصْدَانِ، أَوْ غَلَبَ الْحَظْرُ، أَوْ سَافَرَ لِيَقْصُرَ فَقَطْ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ. (يَبْلُغُ)، أَيْ: السَّفَرُ (سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا تَقْرِيبًا) لَا تَحْدِيدًا، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ (يَقِينًا) لَا ظَنًّا. (بَرًّا أَوْ بَحْرًا) لِلْعُمُومَاتِ. (وَهِيَ)، أَيْ: السِّتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا (يَوْمَانِ قَاصِدَانِ)، أَيْ: مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ طُولًا وَقِصَرًا (فِي زَمَنٍ مُعْتَدِلِ) الْحَرِّ وَالْبَرْدِ (بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ وَدَبِيبِ الْأَقْدَامِ، وَهِيَ: أَرْبَعَةُ بُرُدٍ) جَمْعُ: بَرِيدٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «يَا أَهْلَ مَكَّةَ؛ لَا تَقْصُرُوا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إلَى عُسْفَانَ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ، وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ.
قَالَ الْخَطَّابِيِّ: هُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ، خُصُوصًا إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ. (وَالْبَرِيدُ: أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ) جَمْعُ: فَرْسَخٍ. (وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ هَاشِمِيَّةٍ) نِسْبَةً إلَى هَاشِمٍ جَدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَبِأَمْيَالِ بَنِي أُمَيَّةَ: مِيلَانِ وَنِصْفُ) مِيلٍ.
(وَ) الْمِيلُ (الْهَاشِمِيُّ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ)، وَهِيَ: (سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ) بِذِرَاعِ الْيَدِ، وَهِيَ: (أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ، وَالذِّرَاعُ: أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا مُعْتَرِضَةً مُعْتَدِلَةً، كُلُّ إصْبَعٍ) مِنْهَا عَرْضُهَا (سِتُّ حَبَّاتِ شَعِيرٍ بُطُونُ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ، عَرْضُ كُلِّ شَعِيرَةٍ سِتُّ شَعَرَاتٍ بِرْذَوْنَ): بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ.
قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَرُبَّمَا قَالُوا فِي الْأُنْثَى بِرْذَوْنَةُ.
قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: الْبِرْذَوْنُ: التُّرْكِيُّ مِنْ الْخَيْلِ، وَهُوَ مَا أَبَوَاهُ نَبَطِيَّانِ عَكْسُ الْعِرَابِ. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: الذِّرَاعُ الَّذِي ذُكِرَ قَدْ حُرِّرَ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ الْمُسْتَعْمَلِ الْآنَ فِي مِصْرَ وَالْحِجَازِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ، يَنْقُصُ عَنْ ذِرَاعِ الْحَدِيدِ بِقَدْرِ الثُّمُنِ، فَعَلَى هَذَا؛ فَالْمِيلُ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ خَمْسَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا. قَالَ: وَهَذِهِ فَائِدَةٌ نَفِيسَةٌ قَلَّ مَنْ يُنَبِّهُ عَلَيْهَا. (أَوْ تَابَ فِيهِ)، أَيْ: فِي سَفَرٍ غَيْرِ مُبَاحٍ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ أَفَاقَ) مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَقَدْ بَقِيَتْ) الْمَسَافَةُ قَصَرَ خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ أَبَاحَ الْقَصْرَ وَلَوْ بَقِيَ دُونَ الْمَسَافَةِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَبْقَ لَمْ يَقْصُرْ. (أَوْ أُكْرِهَ) عَلَى سَفَرٍ (كَأَسِيرٍ، أَوْ غُرِّبَ) زَانٍ حُرٌّ غَيْرُ مُحْصَنٍ، (أَوْ شُرِّدَ) إذَا أَخَافَ السَّبِيلَ، وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا، لِأَنَّ سَفَرَهُمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبِهَا.
وَ(لَا) يَقْصُرُ (هَائِمٌ)، أَيْ: خَارِجٌ عَلَى وَجْهِهِ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ، (وَ) لَا (تَائِهٌ) وَهُوَ: مَنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ، (وَ) لَا (سَائِحٌ) لَا يَقْصِدُ مَكَانًا مُعَيَّنًا، لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ قَصْدُ جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِيهِ. (وَتُكْرَهُ سِيَاحَةٌ لِغَيْرِ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ، وَلَوْ قَطَعَهَا فِي سَاعَةٍ)، لِحَدِيثِ «لَا سِيَاحَةَ فِي الْإِسْلَامِ». وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَتْ السِّيَاحَةُ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ، وَلَا هِيَ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصَّالِحِينَ. وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: السِّيَاحَةُ فِي الْبِلَادِ لِغَيْرِ قَصْدٍ شَرْعِيٍّ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ أَمْرٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَأَمَّا السِّيَاحَةُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ؛ فَهِيَ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا. (إذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ الْعَامِرَةِ) مُسَافِرًا (وَلَوْ) كَانَتْ (خَارِجَ سُورٍ وَقَبْلَهَا خَرَابٌ) قَائِمَةٌ حِيطَانُهُ أَوْ لَا (أَوْ اجْتَمَعُوا)، أَيْ: الْمُسَافِرُونَ بِمَكَانٍ (لِانْتِظَارِ بَعْضِهِمْ) يُنْشِئُونَ السَّفَرَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ فَلَهُمْ الْقَصْرُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ، لِأَنَّهُمْ ابْتَدَءُوا السَّفَرَ وَفَارَقُوا قَرْيَتَهُمْ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ قُلْت: إنْ لَمْ يَنْوُوا الْإِقَامَةَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةٍ، أَوْ تَكُونُ الْعَادَةُ عَدَمَ اجْتِمَاعِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ (بَعْدَ فُرْقَةِ عَامِرٍ)، أَيْ: فَيَقْصُرُ مَنْ فَارَقَ ذَلِكَ، سَوَاءٌ وَلِيَهَا بُيُوتٌ خَارِبَةٌ أَوْ الْبَرِّيَّةُ، فَإِنْ وَلِيَهَا بُيُوتٌ خَارِبَةٌ، ثُمَّ بُيُوتٌ عَامِرَةٌ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ مُفَارَقَةِ الْعَامِرَةِ الَّتِي تَلِي الْخَارِبَةَ. (أَوْ) إذَا فَارَقَ (خِيَامَ قَوْمِهِ) إنْ اسْتَوْطَنُوا الْخِيَامَ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمُفَارَقَةِ بِنَوْعٍ مِنْ الْبُعْدِ عُرْفًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْقَصْرَ لِمَنْ ضَرَبَ فِي الْأَرْضِ، وَقَبْلَ مُفَارَقَتِهِ مَا ذُكِرَ لَا يَكُونُ ضَارِبًا فِيهَا، وَلَا مُسَافِرًا، وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَحَدُ طَرَفَيْ السَّفَرِ، أَشْبَهَ حَالَةَ الِانْتِهَاءِ. (أَوْ) إذَا فَارَقَ مُسْتَوْطِنٌ قُصُورَ وَبَسَاتِينَ. (مَا)، أَيْ: مَحَلًّا (نُسِبَ إلَيْهِ) ذَلِكَ الْمَحَلُّ (عُرْفًا كَسُكَّانِ قُصُورٍ وَبَسَاتِينَ) يَسْكُنُهُ أَهْلُهُ، وَلَوْ فِي فَصْلٍ مِنْ الْفُصُولِ لِلنُّزْهَةِ. (وَمَحَلَّتُهُ بِبَلَدٍ لَهُ مَحَالٌّ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ بِبَعْضِهَا، وَبُقْعَةٌ لِمُقِيمٍ بِمَفَازَةٍ) وَأَهْلِ عِزَبٍ مِنْ نَحْوِ قَصَبٍ، فَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يُفَارِقَهَا. ذَكَرَ مَعْنَاهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْعَامِرَةِ. وَلَوْ كَانَتْ قَرْيَتَانِ مُتَدَانِيَتَيْنِ، وَاتَّصَلَ بِنَاءُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى؛ فَهُمَا كَالْوَاحِدَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ؛ فَلِكُلِّ قَرْيَةٍ حُكْمُ نَفْسِهَا. وَمَحَلُّ إبَاحَةِ الْقَصْرِ: (إنْ لَمْ يَنْوِ عَوْدًا) قَبْلَ اسْتِكْمَالِ الْمَسَافَةِ، (أَوْ) لَمْ (يَعُدْ قَبْلَ) بُلُوغِ (مَسَافَةٍ) إلَى وَطَنِهِ، (فَإِنْ نَوَاهُ)، أَيْ: الْعَوْدَ عِنْدَ خُرُوجِهِ (أَوْ) لَمْ يَنْوِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ، بَلْ (تَجَدَّدَتْ نِيَّتُهُ) لِلْعَوْدِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ (لِحَاجَةٍ بَدَتْ) لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، (فَلَا) قَصْرَ إنْ لَمْ يَكُنْ رُجُوعُهُ سَفَرًا طَوِيلًا (حَتَّى يَرْجِعَ) إلَى وَطَنِهِ. (وَيُفَارِقُ بِشَرْطِهِ)، وَهُوَ: أَنْ لَا يَنْوِيَ الْعَوْدَ، (أَوْ تَنْثَنِيَ نِيَّتُهُ) عَنْ الْعَوْدِ، (وَيَسِيرُ) فِي سَفَرِهِ، فَلَهُ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ، وَنِيَّتُهُ لَا تَكْفِي بِدُونِ وُجُودِهِ، بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، (إلَّا إنْ كَانَ مَا رَجَعَ إلَيْهِ غَيْرَ وَطَنٍ) لَهُ (وَلَا أَهْلَ) لَهُ بِهِ (وَلَا مَالَ لَهُ بِهِ وَلَمْ يَنْوِ فِي عَوْدَةٍ) إلَيْهِ (أَنْ يُقِيمَ مَا)، أَيْ: زَمَنًا (يَمْنَعُ الْقَصْرَ)، وَهُوَ فَرْضُ عِشْرِينَ صَلَاةٍ فَأَكْثَرَ. (قَالَهُ فِي الْمُغْنِي ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، (وَفِي التَّلْخِيصِ وَإِنْ رَجَعَ لِأَجْلِ شَيْءٍ نَسِيَهُ؛ لَمْ يَقْصُرْ فِي رُجُوعِهِ لِوَطَنِهِ إلَّا إذَا رَجَعَ لِبَلَدٍ كَانَ بِهِ غَرِيبًا، فَيَتَرَخَّصُ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى) كَلَامُ التَّلْخِيصِ. وَأَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ دُونَ الْمَسَافَةِ مِنْهَا إذَا ذَهَبُوا إلَى عَرَفَةَ، فَلَيْسَ لَهُمْ قَصْرٌ وَلَا جَمْعٌ لِلسَّفَرِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُسَافِرِينَ، لِعَدَمِ الْمَسَافَةِ، فَهُمْ فِي اعْتِبَارِ الْمَسَافَةِ كَغَيْرِهِمْ، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَمِثْلُهُمْ مَنْ يَنْوِي الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ فَوْقَ عِشْرِينَ صَلَاةٍ، كَأَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ، فَلَيْسَ لَهُمْ قَصْرٌ وَلَا جَمْعٌ بِمَكَّةَ وَلَا مِنًى وَلَا مُزْدَلِفَةَ، لِانْقِطَاعِ سَفَرِهِمْ بِدُخُولِ مَكَّةَ، إذْ الْحَجُّ: قَصْدُ مَكَّةَ لِعَمَلٍ مَخْصُوصٍ كَمَا يَأْتِي.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَإِنْ كَانَ الَّذِي خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ إذَا رَجَعَ؛ لَمْ يَقْصُرْ بِعَرَفَةَ.
(وَقَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ فِيمَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ لِلْحَجِّ، وَيُرِيدُ) أَنْ (يَرْجِعَ لِمَكَّةَ فَلَا يُقِيمُ بِهَا)، أَيْ: أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ: (فَهَذَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِعَرَفَةَ)، أَيْ: وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى؛ (لِأَنَّهُ حِينَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ أَنْشَأَ السَّفَرَ لِبَلَدِهِ) بِخُرُوجِهِ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِ، (وَلَا يُعِيدُ مَنْ قَصَرَ) بِشَرْطِهِ (ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ) اسْتِكْمَالِ (الْمَسَافَةِ)، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِيَّةُ الْمَسَافَةِ لَا حَقِيقَتُهَا.
(وَ) يَجُوزُ أَنْ (يَقْصُرَ مَنْ أَسْلَمَ) بِسَفَرٍ مُبِيحٍ (أَوْ بَلَغَ) بِسَفَرٍ مُبِيحٍ، (أَوْ طَهُرَتْ) مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ (بِسَفَرٍ مُبِيحٍ) لِلْقَصْرِ (وَيَتَّجِهُ أَوْ أَفَاقَ مَنْ جُنَّ)، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ (بِأَثْنَائِهِ) أَيْ: السَّفَرِ الْمُبِيحِ لِلْقَصْرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ بَقِيَ) بَعْدَ إسْلَامٍ أَوْ بُلُوغٍ أَوْ عَقْلٍ أَوْ طُهْرٍ (دُونَ الْمَسَافَةِ)؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَكْلِيفِهِ فِي أَوَّلِ السَّفَرِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي تَرْكِ الْقَصْرِ فِي آخِرِهِ، إذْ عَدَمُ التَّكْلِيفِ لَيْسَ مَانِعًا مِنْ الْقَصْرِ، بِخِلَافِ مَنْ أَنْشَأَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ تَابَ، وَقَدْ بَقِيَ دُونَهَا كَمَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْقَصْرِ فِي ابْتِدَائِهِ، (كَجَاهِلِ الْمَسَافَةِ ثُمَّ عَلِمَهَا) فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ، فَيَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ، (أَوْ) كَجَاهِلِ (جَوَازِ الْقَصْرِ ابْتِدَاءً ثُمَّ عَلِمَهُ)، فَيَقْصُرُ. (وَمَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ ضَالٍّ) كَآبِقٍ وَشَارِدٍ، (نَاوِيًا أَنْ يَرْجِعَ أَيْنَ وَجَدَهُ، لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ الْمَسَافَةَ)، لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ الْمُبِيحَ لِلْقَصْرِ، قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَفِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: فِي أَوَّلِ الْقَصْرِ مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ ضَالَّةٍ أَوْ آبِقٍ حَتَّى جَاوَزَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ، لِعَدَمِ نِيَّتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. انْتَهَى.
وَفِي الشَّرْحِ: وَلَوْ خَرَجَ طَالِبًا لِعَبْدٍ آبِقٍ لَا يَعْلَمُ أَيْنَ هُوَ، أَوْ مُنْتَجِعًا عُشْبًا أَوْ كَلَأً مَتَى وَجَدَهُ أَقَامَ، أَوْ سِلْكِيًّا فِي الْأَرْضِ لَا يَقْصِدُ مَكَانًا، لَمْ يُبَحْ لَهُ الْقَصْرُ، وَإِنْ سَارَ أَيَّامًا.
(وَ) يَجُوزُ أَنْ (يَقْصُرَ مَنْ) نَوَى بَلَدًا بِعَيْنِهِ يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ، وَ(عَلِمَهَا) ابْتِدَاءً، (ثُمَّ نَوَى) فِي سَفَرِهِ (إنْ وَجَدَ عَزِيمَةً) فِي طَرِيقِهِ (رَجَعَ)؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّخْصَةِ انْعَقَدَ، فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالنِّيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ. (وَقِنٌّ) سَافَرَ مَعَ سَيِّدِهِ (وَزَوْجَةٌ) سَافَرَتْ مَعَ زَوْجِهَا (وَجُنْدِيٌّ) بِضَمِّ الْجِيمِ، سَافَرَ مَعَ أَمِيرِهِ، يَكُونُونَ (تَبَعًا لِسَيِّدٍ وَزَوْجٍ وَأَمِيرٍ فِي سَفَرٍ وَنِيَّتِهِ)، أَيْ: السَّفَرِ فَإِنْ نَوَى سَيِّدٌ وَزَوْجٌ وَأَمِيرٌ سَفَرًا مُبَاحًا يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ، جَازَ لِلْقِنِّ وَالزَّوْجَةِ وَالْجُنْدِيِّ الْقَصْرُ، وَإِلَّا فَلَا لِتَبَعِيَّتِهِمْ لَهُ.
(وَ) عَبْدٌ (مُشْتَرَكٌ) بَيْنَ مُسَافِرٍ وَمُقِيمٍ، (فَلَا) يَقْصُرُ (إنْ لَمْ يُسَافِرْ سَيِّدَاهُ) لِتَرْجِيحِ جَانِبِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، (أَوْ يَنْوِي) الْمُقِيمُ فِيهِمَا السَّفَرَ، وَلَوْ لَمْ يُسَافِرْ مَعَ شَرِيكِهِ، فَلِلْعَبْدِ حِينَئِذٍ الْقَصْرُ تَبَعًا لِمَنْ سَافَرَ مَعَهُ، وَتَغْلِيبًا لِجَانِبِ السَّفَرِ. (وَشُرِطَ مَعَ مَسَافَةٍ نِيَّةُ قَصْرٍ عِنْدَ إحْرَامٍ) بِمَقْصُورَةٍ، لِأَنَّ الْإِتْمَامَ الْأَصْلُ، وَإِطْلَاقُ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ. كَمَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ مُطْلَقًا انْصَرَفَ إلَى الِانْفِرَادِ.
(وَ) شُرِطَ أَيْضًا (عِلْمُهُ بِهَا)، أَيْ: النِّيَّةِ (إذَنْ)، أَيْ: عِنْدَ الْإِحْرَامِ، هَكَذَا فِي الْفُرُوعِ.
قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَلَمْ نَعْلَمْ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَالْعِلْمُ بِهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَعْنَاهُ الْعِلْمُ بِالنِّيَّةِ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَتْ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَقْصُورَةِ فَإِنَّهُ يَكْفِي اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ حُكْمًا لَا ذِكْرًا عِنْدَ التَّكْبِيرِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ قُلْت: وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ نَوَى الْقَصْرَ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ بِأَنْ لَا يَطْرَأَ عَلَيْهِ شَكٌّ، هَلْ نَوَاهُ؟ فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ، لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ.
(وَ) شُرِطَ أَيْضًا عِلْمُهُ حَالَ الصَّلَاةِ (بِسَفَرِ إمَامِهِ وَلَوْ بِأَمَارَةٍ) وَعَلَامَةٍ كَهَيْئَةِ لِبَاسٍ إقَامَةً لِلظَّنِّ مَجْرَى الْعِلْمِ، لَا عِلْمُهُ أَنَّ إمَامَهُ نَوَى الْقَصْرَ، لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ. (وَسُنَّ قَوْلُهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ الْمُسَافِرِ (لِمُقِيمِينَ: أَتِمُّوا فَأَنَا سَفْرٌ) بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْفَاءِ، لِلْحَدِيثِ، وَلِئَلَّا يَلْتَبِسَ عَلَى الْجَاهِلِ عَدَدُ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ. (فَإِنْ أَتَمَّ) إمَامُ مُسَافِرِينَ بِهِمْ (سَهْوًا وَعَلِمُوا ذَلِكَ سَبَّحُوا بِهِ وَلَمْ يُتَابِعُوهُ) لِنِيَّتِهِمْ الْقَصْرَ وَلِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ سَهْوًا لَغْوٌ. (فَإِنْ) لَمْ يَرْجِعْ عَالِمًا عَمْدًا وَ(تَابَعُوهُ، فَوَجْهَانِ)، أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ بِمُتَابَعَتِهِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ. (وَإِنْ شَكُّوا أَقَامَ) إمَامُهُمْ إلَى ثَالِثَةٍ (سَهْوًا أَمْ عَمْدًا لَزِمَ) الْمَأْمُومِينَ (مُتَابَعَتُهُ)، لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ، وَلِحَدِيثِ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ». (وَلَا يَقْصُرُ مَنْ مَرَّ بِوَطَنِهِ) سَوَاءٌ كَانَ وَطَنَهُ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ، غَيْرَ أَنَّهُ طَرِيقُهُ إلَى بَلَدٍ يَطْلُبُهُ، بِخِلَافِ مَنْ أَقَامَ فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِهِ إقَامَةً تَمْنَعُ الْقَصْرَ بِمَوْضِعٍ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ وَلَمْ يَقْصِدْ إقَامَةً بِهِ تَمْنَعُهُ. (أَوْ) مَرَّ بِـ (بَلَدٍ لَهُ بِهِ امْرَأَةٌ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَطَنَهُ حَتَّى يُفَارِقَهُ، (أَوْ) مَرَّ بِبَلَدٍ (تَزَوَّجَ فِيهِ)، فَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يُفَارِقَ الْبَلَدَ الَّذِي تَزَوَّجَ فِيهِ، لِحَدِيثِ عُثْمَانَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلَدٍ، فَلِيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُقِيمِ» رَوَاه أَحْمَدُ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ بَعْدَ فِرَاقِ الزَّوْجَةِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ بِهِ أَقَارِبُ كَأُمٍّ وَأَبٍ وَمَاشِيَةٍ أَوْ مَالٍ، لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ الْقَصْرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا سَبَقَ. (أَوْ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ عَلَيْهِ حَضَرًا) ثُمَّ سَافَرَ، فَلَا يَقْصُرُ تِلْكَ الصَّلَاةَ، لِأَنَّهَا صَلَاةُ حَضَرٍ وَجَبَتْ تَامَّةً، (أَوْ دَخَلَهُ)، أَيْ: وَطَنَهُ أَوْ مَكَانًا نَوَى إقَامَةً فِيهِ تَمْنَعُ الْقَصْرَ (قَبْلَ إتْمَامِ) صَلَاةٍ أَحْرَمَ بِهَا (كَرَاكِبِ سَفِينَةٍ) أَحْرَمَ فِيهَا بِصَلَاةٍ مَقْصُورَةٍ، فَوَصَلَتْ إلَى وَطَنِهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّهَا أَرْبَعًا، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ اجْتَمَعَ فِيهَا حُكْمُ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَغَلَبَ حُكْمُ الْحَضَرِ. (أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ بِسَفَرٍ وَعَكْسَهُ) بِأَنْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ بِحَضَرٍ، فَلَا يَقْصُرُ. (أَوْ ائْتَمَّ) مُسَافِرٌ (بِمُقِيمٍ فِي غَيْرِ صَلَاةِ خَوْفٍ، أَوْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ)، فَيُتِمُّ نَصًّا. لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ تِلْكَ السُّنَّةُ. وَسَوَاءٌ ائْتَمَّ بِهِ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْضِهَا عَلِمَهُ مُقِيمًا أَوْ لَا، وَيَشْمَلُ كَلَامُهُ لَوْ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ فَاسْتَخْلَفَ لِعُذْرٍ مُقِيمًا، لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْإِتْمَامُ دُونَ الْإِمَامِ الْمُسْتَخْلَفِ. (أَوْ) ائْتَمَّ مُسَافِرٌ (بِمَنْ يَشُكُّ فِيهِ) أَيْ: فِي كَوْنِهِ مُسَافِرًا (بِلَا قَرِينَةٍ)، لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، (وَإِنْ تَبَيَّنَ قَصْرَهُ)، أَيْ: وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ، لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِكَوْنِهِ مُسَافِرًا عِنْدَ الْإِحْرَامِ (وَيَكْفِي عِلْمُهُ)، أَيْ: الْمَأْمُومِ (بِسَفَرِهِ)، أَيْ: الْإِمَامِ (بِعَلَامَةِ) سَفَرٍ كَلِبَاسٍ، (فَيَنْوِيهِ)، أَيْ: الْقَصْرَ وَيَأْتِي، (فَإِنْ قَصَرَ إمَامُهُ قَصَرَ مَعَهُ)، لِوُجُودِ النِّيَّةِ مِنْهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ (أَوْ)، أَيْ: وَإِنْ (أَتَمَّ) الْإِمَامُ (تَابَعَهُ) الْمَأْمُومُ وَلَغَتْ نِيَّةُ الْقَصْرِ. (وَصَحَّ لَوْ نَوَى) مَأْمُومٌ عِنْدَ اقْتِدَائِهِ بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا (إنْ قَصَرَ قَصَرْت، وَ) إنْ (أَتَمَّ أَتْمَمْت وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ)، أَيْ: الْمُسَافِرِ (أَنَّ إمَامَهُ نَوَاهُ)، أَيْ: الْقَصْرَ (إذَنْ) أَيْ: حِينَ اقْتِدَائِهِ بِهِ (عَمَلًا بِالظَّنِّ) لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ، (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى فِيمَا يُوهِمُ) مِنْ عِبَارَتِهِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: أَوْ جَهِلَ أَنَّ إمَامَهُ نَوَاهُ، أَيْ: فَيُتِمُّ. وَتَفْسِيرُ الْبُهُوتِيِّ فِي شَرْحِهِ الْجَهْلُ بِالشَّكِّ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْجَهْلَ لَا يَضُرُّ فِي النِّيَّةِ، فَيَقْصُرُ مَعَهُ إنْ قَصَرَ، وَيُتِمُّ إنْ أَتَمَّ، (أَوْ شَكَّ) إمَامٌ أَوْ غَيْرُهُ (فِي أَثْنَائِهَا)، أَيْ: الصَّلَاةِ (أَنَّهُ نَوَاهُ) أَيْ: الْقَصْرَ (عِنْدَ إحْرَامِهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ، (ثُمَّ ذَكَرَ) بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ نَوَاهُ، لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ، وَإِطْلَاقُ النِّيَّةِ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ): أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ (وَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ) مَعَ الشَّكِّ (عَمَلًا)، فَإِنْ عَمِلَ مَعَ الشَّكِّ عَمَلًا، لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَسُجُودُ السَّهْوِ أَيْضًا، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَمْ يَنْوِهِ)، أَيْ: الْقَصْرَ (عِنْدَ إحْرَامٍ)؛ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، فَإِطْلَاقُ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ، (أَوْ نَوَاهُ)، أَيْ: الْقَصْرَ عِنْدَ إحْرَامٍ (ثُمَّ، رَفَضَهُ فِيهَا) وَنَوَى الْإِتْمَامَ، لَزِمَ أَنْ يُتِمَّ لِعَدَمِ افْتِقَارِهِ إلَى التَّعْيِينِ فَبَقِيَتْ النِّيَّةُ مُطْلَقَةً. (وَإِنْ) نَوَى مُسَافِرٌ الْقَصْرَ ثُمَّ (أَتَمَّ سَهْوًا؛ فَفَرْضُهُ الرَّكْعَتَانِ وَسَجَدَ لَهُ)، أَيْ: لِسَهْوِهِ (وُجُوبًا)، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (لَا نَدْبًا خِلَافًا لَهُ)، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ صَرَّحَ بِنَدْبِيَّةِ السُّجُودِ لِلزِّيَادَةِ. (وَإِنْ ذَكَرَ) مَنْ سُهَى أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ رَكْعَةً (ثَالِثَةً؛ عَادَ) إلَى التَّشَهُّدِ، (وَسَلَّمَ إنْ شَاءَ) وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، (أَوْ نَهَضَ بِنِيَّةِ إتْمَامٍ)؛ أَتَمَّ صَلَاتَهُ أَرْبَعًا وَصَحَّتْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ وَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ عَمْدًا، فَكَانَ كَمَنْ لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ ابْتِدَاءً، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ عَمْدًا؛ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَغَيْرِ الْمُسَافِرِ (أَوْ نَوَى) الْمُسَافِرُ (إقَامَةً مُطْلَقَةً)، أَيْ: غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِزَمَنٍ، وَلَوْ بِمَفَازَةٍ لَا تُقَامُ بِهَا، أَوْ دَارِ حَرْبٍ لَا تُقَامُ فِيهَا الصَّلَاةُ، أَتَمَّ لِزَوَالِ السَّفَرِ الْمُبِيحِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ. (أَوْ) نَوَى إقَامَةً (أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةٍ)؛ أَتَمَّ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ صَبِيحَةَ رَابِعَةِ ذِي الْحِجَّةِ، فَأَقَامَ بِهَا الرَّابِعَ وَالْخَامِسَ وَالسَّادِسَ وَالسَّابِعَ، وَصَلَّى الصُّبْحَ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِنًى»، وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَقَدْ أُجْمِعَ عَلَى إقَامَتِهَا، وَ«قَالَ أَنَسٌ: أَقَمْنَا بِمَكَّةَ عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلَاةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ كَلَامٌ لَيْسَ يَفْقَهُهُ كُلُّ أَحَدٍ، أَيْ: لِأَنَّهُ حَسَبَ مُقَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَمِنًى، وَيُحْسَبُ يَوْمُ الدُّخُولِ وَيَوْمُ الْخُرُوجِ مِنْ الْمُدَّةِ. (وَلَوْ) نَوَى الْإِقَامَةَ (بِبَادِيَةٍ) أَتَمَّ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. (وَلَوْ بَدَا لَهُ السَّفَرُ وَلَمْ يَشْرَعْ فِيهِ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ فِي مَوْضِعِ إقَامَتِهِ، لِأَنَّهُ مَحَلٌّ ثَبَتَ لَهُ فِيهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ، أَشْبَهَ وَطَنَهُ، فَيُتِمُّ إلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي السَّفَرِ، وَيُفَارِقَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ كَمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ) نَوَى إقَامَةً (لِحَاجَةٍ، وَظَنَّ أَنْ لَا تَنْقَضِيَ) الْحَاجَةُ (قَبْلَهَا)، أَيْ: الْأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بَلْ بَعْدَهَا؛ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ. (أَوْ شَكَّ) مُسَافِرٌ (فِي نِيَّةِ مُدَّةِ إقَامَةٍ)، أَيْ: فِي كَوْنِهِ نَوَى إقَامَةً أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةٍ، أَوْ لَا لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ مَعَ الشَّكِّ فِي مُبِيحِ الرُّخْصَةِ. (أَوْ نَوَى) مُسَافِرٌ (فِي صَلَاتِهِ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ) بِأَنْ قَلَبَ السَّفَرَ لِلْمَعْصِيَةِ؛ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ تَغْلِيبًا لَهُ، لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ.
وَ(لَا) يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ إنْ نَوَى فِي صَلَاتِهِ فِعْلَ (مَعْصِيَةٍ) فِي ذَلِكَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي السَّفَرِ لَا تَمْنَعُ التَّرَخُّصَ، بِخِلَافِ الْمَعْصِيَةِ بِهِ. (أَوْ) نَوَى (الْإِقَامَةَ) بِأَنْ عَزَمَ عَلَيْهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ قَبْلَهَا لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، وَكَذَا لَوْ نَوَى الرُّجُوعَ، وَمُدَّةُ رُجُوعِهِ لَا يُبَاحُ فِيهَا الْقَصْرُ. (أَوْ أَعَادَ) صَلَاةً (فَاسِدَةً)، أَيْ: فَسَدَتْ (فِي أَثْنَاءِ) هَا (لَزِمَ إتْمَامُهَا) لِفَسَادِهَا، (كـَ) مَا لَوْ صَلَّى (خَلْفَ مُقِيمٍ) فَأَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ؛ فَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا تَامَّةً بِلَا خِلَافٍ.
(وَ) كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِـ (نِيَّةِ إتْمَامٍ) فَأَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ؛ فَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا تَامَّةً، لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً تَامَّةً، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُعَادَ مَقْصُورَةً.
وَ(لَا) يَلْزَمُهُ إتْمَامُ صَلَاةٍ (فَاسِدَةٍ ابْتِدَاءً كَمُحْدِثٍ) جَهِلَ حَدَثَ نَفْسِهِ، فَائْتَمَّ بِمُقِيمٍ، وَنَوَى الْقَصْرَ، ثُمَّ عَلِمَ حَدَثَ نَفْسِهِ، فَلَهُ الْقَصْرُ فِي الْمُعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ تَنْعَقِدْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ، وَنَوَى الْقَصْرَ، ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ كَمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ أَخَّرَهَا)، أَيْ: الصَّلَاةَ (بِلَا عُذْرٍ) مِنْ نَحْوِ نَوْمٍ (حَتَّى ضَاقَ وَقْتُهَا عَنْهَا)، أَيْ: عَنْ فِعْلِهَا كُلِّهَا مَقْصُورَةً، لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَاصِيًا بِتَأْخِيرِهَا مُتَعَمِّدًا بِلَا عُذْرٍ. (أَوْ تَابَ) مِنْ مَعْصِيَةٍ سَافَرَ لِأَجْلِهَا وَهُوَ (فِيهَا)، أَيْ الصَّلَاةِ (وَنَوَاهُ)، أَيْ: الْقَصْرَ (فِي أَثْنَاءِ) تِلْكَ الصَّلَاةِ؛ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ تَامَّةً. (وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (مِنْ جَاهِلٍ) تَابَ فِي أَثْنَائِهَا وَمَضَى فِيهَا مَقْصُورَةً، وَلَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ، بَلْ تَقَعُ نَفْلًا فِي حَقِّهِ، لِأَنَّهُ أَتَى بِهَا مَقْصُورَةً، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا، وَلَمْ يَفْعَلْهُ جَهْلًا مِنْهُ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إنْ عَلِمَ قَرِيبًا لِتَرْكِهِ وَاجِبًا. فَهَذِهِ إحْدَى وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً يَجِبُ فِيهَا عَلَى الْمُسَافِرِ الْإِتْمَامُ. (وَمَنْ نَوَاهُ)، أَيْ: الْقَصْرَ (عِنْدَ إحْرَامٍ حَيْثُ لَمْ يُبَحْ) لَهُ الْقَصْرُ (كـَ) مَا لَوْ صَلَّى (خَلْفَ مُقِيمٍ، وَمُعْتَقِدٍ تَحْرِيمَ) الْقَصْرِ كَمَا لَوْ نَوَاهُ بِسَفَرِ مَعْصِيَةٍ، أَوْ سَفَرٍ لَا يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ (عَالِمًا) عَدَمَ إبَاحَتِهِ لَهُ؛ (لَمْ تَنْعَقِدْ) صَلَاتُهُ، (كَمَا نَوَاهُ)، أَيْ: الْقَصْرَ (مُقِيمٌ) لِتَلَاعُبِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَ) لَوْ نَوَى الْقَصْرَ مَنْ لَمْ يُبَحْ لَهُ الْقَصْرُ (جَهْلًا) مِنْهُ عَدَمَ جَوَازِهِ؛ (تَنْعَقِدُ) صَلَاتُهُ، وَتَقَعُ (نَفْلًا)، وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إنْ عَلِمَ قَرِيبًا، وَهُوَ مُتَّجَهٌ. (وَيَقْصُرُ مَنْ)، أَيْ: مُسَافِرٌ (سَلَكَ أَبْعَدَ طَرِيقَيْنِ) إلَى بَلَدٍ قَصَدَهُ يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ، وَالْقَرِيبُ لَا يَبْلُغُهَا، وَلَوْ لَمْ يَسْلُكْ الْبَعِيدَ إلَّا (لِيَقْصُرَ) الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ سَفَرًا يَبْلُغُهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَاهَا، وَكَمَا لَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ مَخُوفًا، أَوْ مُشِقًّا، فَعَدَمُ الْحِكْمَةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لَا يَضُرُّ. (أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ) فِي ذَلِكَ السَّفَرِ، أَوْ (فِي) سَفَرٍ، (آخَرَ وَلَمْ يَذْكُرْهَا حَضَرًا)؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا وَفِعْلَهَا وُجِدَا فِي السَّفَرِ، فَأَشْبَهَ أَدَاءَهَا فَإِنْ ذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ، أَوْ قَضَى بَعْضَهَا فِي الْحَضَرِ أَتَمَّ، (أَوْ أَقَامَ لِحَاجَةٍ وَلَوْ) كَانَتْ إقَامَتُهُ لَهَا (بِمُنْتَهَى قَصْدِهِ بِلَا نِيَّةِ إقَامَةِ عِشْرِينَ صَلَاةٍ) فَأَكْثَرَ (لَا يَدْرِي مَتَى تَنْقَضِي)، فَإِنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا تَنْقَضِي فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ أَتَمَّ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَإِنْ ظَنَّ أَنْ الْحَاجَةَ لَا تَنْقَضِي إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْقَصْرِ؛ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ. (أَوْ حُبِسَ ظُلْمًا، أَوْ) حُبِسَ (بِنَحْوِ مَرَضٍ) كَثَلْجٍ وَجَلِيدٍ (وَمَطَرٍ)، أَيْ: فَيَقْصُرُ أَبَدًا؛؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ مَعْمَرٌ بِرِوَايَتِهِ مُسْنَدًا، وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ مُرْسَلًا. «وَلَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ أَقَامَ بِهَا تِسْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ أَنَسٌ: «أَقَامَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَامِ هُرْمُزَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ» رَوَاه الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ مَا لَمْ يُجْمِعْ إقَامَةً، وَلَوْ أَتَى عَلَيْهِ سُنُونَ، وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يُجْمِعْ، أَيْ: مَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْإِقَامَةِ وَيَنْوِيهَا. وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَان سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَقَدْ حَالَ الثَّلْجُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ، فَإِنْ حُبِسَ بِحَقٍّ؛ لَمْ يَقْصُرْ. وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «يَقْصُرُ الَّذِي يَقُولُ: أَخْرُجُ الْيَوْمَ، أَخْرُجُ غَدًا، شَهْرًا» وَ«عَنْ سَعِيدٍ أَنَّهُ أَقَامَ فِي بَعْضِ قُرَى الشَّامِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» رَوَاهُمَا سَعِيدٌ.
وَ(لَا) يَقْصُرُ مَنْ حُبِسَ (بِأَسْرٍ) عِنْدَ الْعَدُوِّ تَبَعًا لِإِقَامَتِهِمْ كَسَفَرِهِمْ، (أَوْ نَوَى إقَامَةً بِشَرْطِ لُقِيِّ غَرِيمِهِ)، كَأَنْ يَقُولَ: إنْ لَقِيت فُلَانًا بِهَذَا الْبَلَدِ؛ أَقَمْت فِيهِ، (وَإِلَّا فَلَا)، فَإِنْ لَمْ يَلْقَهُ؛ فَلَهُ حُكْمُ السَّفَرِ، لِعَدَمِ الشَّرْطِ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ الْإِقَامَةَ، وَإِنْ لَقِيَهُ بِهِ: صَارَ مُقِيمًا لِاسْتِصْحَابِهِ حُكْمَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ، إنْ لَمْ يَكُنْ فَسَخَ نِيَّةَ الْأَوَّلِ قَبْلَ لِقَائِهِ، أَوْ حَالَ لِقَائِهِ، فَإِنْ فَسَخَهَا إذَنْ، فَلَهُ الْقَصْرُ، وَإِنْ فَسَخَهَا بَعْدَ لِقَائِهِ، فَهُوَ كَمُسَافِرٍ نَوَى إقَامَةً مَانِعَةً مِنْ الْقَصْرِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ السَّفَرُ قَبْلَ إتْمَامِهَا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ فِي مَوْضِعِ إقَامَتِهِ حَتَّى يَشْرَعَ فِي السَّفَرِ. (أَوْ) نَوَى إقَامَةً لَا تَمْنَعُ الْقَصْرَ (بِبَلَدٍ دُونَ مَقْصِدِهِ بِنِيَّةٍ)، أَيْ: بَلَدِ إقَامَتِهِ الْمَذْكُورَةِ (وَبَيْنَ بَلَدِ نِيَّتِهِ الْأُولَى دُونَ الْمَسَافَةِ)، فَلَهُ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ سَفَرًا طَوِيلًا، وَتِلْكَ الْإِقَامَةُ لَا أَثَرَ لَهَا. (وَلَا يَتَرَخَّصُ مَلَّاحٌ)، أَيْ: صَاحِبُ سَفِينَةٍ (مَعَهُ أَهْلُهُ) فِي السَّفِينَةِ (أَوْ لَا أَهْلَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةُ إقَامَةٍ بِبَلَدٍ) نَصًّا، لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاعِنٍ عَنْ وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ، أَشْبَهَ الْمُقِيمَ، فَلَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ بِرَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِيهِ فِي السَّفَرِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي فِطْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَهْلُهُ، جَازَ لَهُ التَّرَخُّصُ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَمِثْلُهُ)، أَيْ: الْمَلَّاحِ (مُكَارٍ) يَحْمِلُ النَّاسَ وَالْمَتَاعَ عَلَى دَوَابِّهِ بِأُجْرَتِهِ، (وَرَاعٍ) يَرْعَى الْبَهَائِمَ (مَعَهُمَا أَهْلُهُمَا، وَفَيْجٌ: بِالْجِيمِ، وَهُوَ رَسُولُ السُّلْطَانِ وَنَحْوُهُمْ) كَسَاعٍ وَبَرِيدٍ، فَلَا يَتَرَخَّصُونَ إذَا كَانَ مَعَهُمْ أَهْلُهُمْ، وَلَمْ يَنْوُوا الْإِقَامَةَ بِبَلَدٍ نَصًّا. وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَهْلٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ أَهْلٌ وَلَيْسُوا مَعَهُمْ، فَلَهُمْ التَّرَخُّصُ.
(فَرْعٌ: لَا يُتَرَخَّصُ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ وَمَكْرُوهٍ بِقَصْرٍ وَ) لَا (فِطْرٍ)، وَتَقَدَّمَ. (وَلَا) يُتَرَخَّصُ بِـ (أَكْلِ مَيْتَةٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهَا رُخَصٌ، فَلَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي (فَإِنْ خَافَ) مُسَافِرٌ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ (عَلَى نَفْسِهِ) الْهَلَاكَ إنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الْمَيْتَةِ، (قِيلَ لَهُ تُبْ وَكُلْ)، لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّوْبَةِ كُلَّ وَقْتٍ، فَلَا يُعْذَرُ بِتَرْكِهَا، (وَكُلُّ مَنْ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ وَالْفِطْرُ) لِوُجُودِ مُبِيحِهَا، وَهُوَ السَّفَرُ الطَّوِيلُ، (وَلَا عَكْسَ)، أَيْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ، وَالْجَمْعُ أُبِيحَ لَهُ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ وَالْجَمْعُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي إتْمَامِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ. وَقَدْ يَنْوِي الْمُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ وَيَقْطَعُهَا مِنْ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ مَثَلًا، فَيُفْطِرُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصُرْ، إذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ صَلَاةٌ يَقْصُرُهَا أَوْ يُتِمُّهَا.